القابضون على الجمر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كن صحابيا: الصحابة والعلم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الشرقاوي
عضو مشارك
عضو مشارك



ذكر عدد الرسائل : 68
البلد : ديار الغربة
تاريخ التسجيل : 02/05/2008

كن صحابيا: الصحابة والعلم Empty
مُساهمةموضوع: كن صحابيا: الصحابة والعلم   كن صحابيا: الصحابة والعلم Emptyالجمعة 2 مايو - 23:27:18

كن صحابيا: الصحابة والعلم

الصحابة والعلم

ما زلنا نبحث عن إجابة السؤال الهام:

كيف سبق الصحابة؟

وكيف نلحق بهم؟

في الفصل الماضي تعرفنا على علامة مهمة جدًا من علامات طريق الصحابة، وهي علامة الإخلاص، وحديثنا الآن عن نقطة هامة جدًا في بناء جيل الصحابة، وهامة جدًا في بناء أي جيل يريد أن يصل إلى ما وصلوا إليه، هذه النقطة هي العلم، وكما ذكرنا أن العمل لا يقبل دون إخلاص، فكذلك لا يمكن أن يقبل العمل دون علم.

إن الكثير من الناس يعبد الله عز وجل بنية صادقة، لكن بطريقة خاطئة، وبدون علم، فمثل هذا يضر، ولا ينفع إن وجد في أي مجال من مجالات الحياة، ليس فقط في مجال الدين، فالطبيب الجاهل يضرّ مرضاه، ولا ينفعهم، وكذلك المهندس الجاهل، والنجار الجاهل، وأي وظيفة يعمل فيها الإنسان دون علم، وأيضا في مجال العبادة، فإن العابد الجاهل يضر نفسه، ويضر غيره، ويضر مجتمعه، فقضية العلم قضية محورية في حياة الأمة المسلمة.

ولا شك أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لاحظوا أن أول آية نزلت من القرآن الكريم الذي هو دستور الحياة بكاملها كانت [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ] {العلق:1} .

وهذا شيء غريب حقًا فإن الزمن الذي نزلت فيه هذه الآيات لم تكن الأميّة منتشرة في جزيرة العرب فحسب، بل في أطراف المعمورة كلها، ومن بين كلمات القرآن الكثيرة كانت أول كلمة هي [اقْرَأْ] {العلق:1} ، وليست أول كلمة فحسب، بل أول خمس آيات من القرآن الكريم تتحدث كلها عن قضية العلم [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ(4)عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ] {العلق:1: 5} .

قضية العلم هي القضية الأساسية التي بُنِي عليها الدين، وهذا النزول لكلمة [اقْرَأْ] {العلق:1} ، إنما هو إيذان، وبيان، وإيضاح لطبيعة هذا الدين، وأنه لا يقوم على الخرافات، أو الأوهام والضلالات، ولا يقوم على الجهل، والتخبط، وإنما يقوم على أسس علمية ثابتة، ومعروفة، فهذا الدين يشجع أبناءه على أن يكونوا علماء سابقين، ليس مجرد العلم، بل السبق فيه، والريادة، والتفوق، لنتأمل الفرق بين الدنيا إذا كانت بعلم، والدنيا إذا كانت من غير العلم، ولنتدبر هذا الحديث بألفاظه التي ربما تكون غريبة علي آذاننا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلفت النظر إلى هذا المعنى الدقيق، روى الترمذي وقال: حسن. وكذلك قال ابن ماجه وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا.

أيُّ شئٍ في الدنيا ملعون، هكذا على إطلاقها، الدنيا كل الدنيا، كل ما فيها ملعون، ومَن الذي يلعن هذا؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا ينطق عن الهوى، هذا وحي من الله عز وجل، كل شيء في الدنيا ملعون، ليس له قيمة، وإنما هو تافه، وحقير، حتى لو كان مُلْكًا، ولو كان سُلْطَانًا، لو كان سلاحًا، لو كان قوةً، إلا أربعة أشياء استثناها الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه اللعنة:

إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَالَاهُ.

أي ما أحبه الله عز وجل من أعمال في الدنيا، أو ما والى الذكر، أي ما قارب الذكر من أعمال الطاعة، والبر، وغيرها، فأعمال الطاعة المحببة إلى الله عز وجل هذه أيضا خارجة من اللعنة، وماذا أيضًا؟

الثالثة والرابعة:

وَعاَلِمًا، وَمُتَعَلِّمًا.

هذين الاثنين أيضًا فيهم استثناء من اللعنة، فهذه العملية التعليمية التي تدور بين العالم، والمتعلم عملية عظيمة جدًا في ميزان الله عز وجل، ومن كان خارج نطاق هذه العملية، فهو على خطر عظيم جدًا، إنه ملعون بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك فَطِنَ الصحابة أن القيمة الحقيقية التي تصلح للمفاضلة بين الناس هي العلم، التفاضل بين الناس لا يكون بمالٍ، ولا سلطانٍ، ولا جندٍ، ولا سطوٍ، ولا مظهرٍ، المهم هو كم تعرف من العلم؟

قد يقول قائل: ولكن الله عز وجل قال:

[إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {الحجرات:13} .

فالأتقى هو الأفضل.

أقول له، ومن الذي يتق الله عز وجل؟

أليس العالم به عز وجل وبصفاته سبحانه وتعالى؟

أليس العالم بشرعه؟

أليس العالم بخلقه؟

هذا هو من يتقي الله عز وجل، أليس الله عز وجل يقول في كتابه العزيز:

[إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ] {فاطر:28}

والخشية هي التقوى، فمن يخش الله إنما هو يتقيه، وكلما ازداد العالم علمًا كلما ازداد خشية لله عز وجل.

ولست أقصد بالعالم هنا كبار هيئة العلماء، وكبار الفقهاء، لا، فكل من عرف معلومةً واحدة أصبح بها عالمًا، وكلما عرف الإنسان أكثر كلما ارتفعت قيمته، وأعظم الناس قيمةً إنما هم العلماء، ليس في ميزان الناس فحسب، بل في ميزان الله عز وجل أيضًا.

فهذه المعلومات في غاية الأهمية، ومن ثَمّ كان من يصرف وقته في تعلم العلم أفضل ممن يصرف وقته في العبادة، لا أقول أفضل ممن يضيع وقته في اللعب، أو المعاصي، أو المنكرات، بل أفضل ممن يصرف وقته في العبادة.

تأمل معي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي وابن ماجه أيضا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ.

انظروا إلى أي مدى وصلت قيمة العلم، ليس العالم أشد على الشيطان من ألف عاص، أو لاعب، بل من ألف عابد، وذلك؛ لأن العالم أشد معرفة لمداخل الشيطان، وأكثر قدرة على التصدى له، ولست أقصد بالعلم العلم الشرعي كعلم التفسير، والفقه، والحديث، والعقيدة فحسب، لا، بل علوم الحياة كلها، ومما لا شك فيه أن العالم الذي يدرس تركيب الخلية مثلًا أكثر تقديرًا لله عز وجل من الذي يعلم وجودها إجمالًا، فالخلية مع صغرها تمثل عالَمًا ليس له نهاية، وفيها قيادة، وإدارة، ومراكز طاقة، ومراكز تغذية، ومراكز دفاع، ومراكز بناء، ومراكز هدم، تتحرك، وتتكاثر، وتقوم بوظائف لا تحصى ولا تُعد، ولا شك أن من يعرف كل هذه التفاصيل سيكون أشد خشية لله ممن لا يعرفها، أو أنه يعرف فقط أن هناك شيءٌ اسمه خلية، كذلك العالم الذي يدرس تفاصيل حياة النبات، ونشأته، وتركيبه، ليس كمن يعلم فقط أن النبات شيءٌ معجز، والعالم الذي يدرس الأفلاك واتساعها، والنجوم وأعدادها، والمجرات وصفتها، ليس كالذي يعلم فقط أن هناك نجومًا في السماء، وقس على هذا كل العلوم؛ الكيمياء، والفيزياء، والجولوجيا، وعلوم البحار، والطب، والأحياء، علوم لا تنتهي وصدق الله عز وجل القائل:

[وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] {الإسراء:85} .

فكل هذه العلوم علوم الشرع، وعلوم الحياة تقود إلى خشية الله عز وجل، ومن ثَم تقود إلى تقواه، ومن ثَم تقود إلى رضى الله عز وجل، وهذا هو ما نبحث عنه.

هذه الحقائق كانت واضحة كالشمس في عيون الصحابة، وقد رفع الصحابة جدًا من قدر كل عالمٍ، وحرصوا على العلم في كل لحظة من لحظات حياتهم، فلا بد كل يوم من تعلم الجديد، وقد رفع الله عز وجل من قيمة العلم من أول يوم خلق فيه آدم عليه السلام، انظر إلى أي مدى رفع الله قيمة العلم.

لماذا أَسْجَد الله عز وجل الملائكة لآدم عليه السلام؟

وبماذا تميّز هذا الخلق الجديد (آدم) على الملائكة؟

هل بكثرة التسبيح؟

أم بطول القيام؟

أم بالطاعة المطلقة لله تعالى؟

أم بالقوة الخارقة؟

الملائكة تتفوق في كل هذه الأمور، ولكن الله عز وجل مَنّ على آدم عليه السلام بنعمة رفعت من قدر آدم إلى الدرجة التي جعل الملائكة يسجدون له تكريمًا له، هذه القيمة وهذه الدرجة هي العلم

[وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(31)قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ] {البقرة:31،32} ونلاحظ تكرار كلمة العلم ومشتقاتها

[قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(33)وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ] {البقرة:33،34} .

لماذا سجد الملائكة لهذا الخلق الجديد؟

لأنه يعلم ما لا تعلمه الملائكة، فرفع قدره لأجل أنه يعلم، فهو عليه السلام مستخلف في الأرض، وكذلك ذريته مستخلفة في الأرض لأجل العلم، فإذا فقد أبناء آدم هذه الصفة، فقدوا المبرر لكونهم خلفاء في الأرض، فتصبح حياتهم بلا قيمة، فغاية الخلق إذن هي هذا العلم، وإذا لم تتحقق هذه الغاية فكأنك لم تخلق أصلًا، وهذا ما يجعل العلم في منزلة عالية جدًا في الإسلام.

العلم إذن هو أساس الاستخلاف في الأرض، ومن غير العلم لا نستحق أن نكون خلفاء في الأرض، وما حدث مع آدم عليه السلام حدث مع جميع من أتى بعده من الأنبياء، ولم يذكر الله عز وجل نبيًا من الأنبياء إلا وذكر في حقه أنه كان عالمًا، وأنه أُوتي علمًا، وأنه فُضل بالعلم.

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم على لسان إبراهيم عليه السلام:

[يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا] {مريم:43} .

فالذي يُتّبع هو الذي عنده علم، الذي يكون سببًا في هداية الناس هو العالم.

الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينظرون إلى العلم نظرة خاصة جدًا، ونظرة معظمة جدًا، نظرة تُجلّ العلم، وتُجلّ كل من حمل العلم، وتعالوا بنا نرى كيف كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يقدرون قيمة العلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الحياء رمز الرقى
عضوة مخضرمة
عضوة مخضرمة



انثى عدد الرسائل : 289
البلد : تونس
تاريخ التسجيل : 06/04/2008

كن صحابيا: الصحابة والعلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: كن صحابيا: الصحابة والعلم   كن صحابيا: الصحابة والعلم Emptyالجمعة 9 مايو - 9:51:42

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الله الله على هذا الموضوع الكبير جدا في مضمونه و قيمته جزاك الله عنل كل خير على المجهود و بارك الله فيك

-----------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كن صحابيا: الصحابة والعلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
القابضون على الجمر :: ( قـســم الصـابـريـن ) :: مجتمع القابضين على الجمر-
انتقل الى: